لم يكن تكليف الوزير الأول أحمد أويحيى، بتمثيل الجزائر في القمة الإفريقية الأوروبية التي احتضنتها عاصمة كوت ديفوار، ابيجان، ومصافحته الملك المغربي، سوى رسالة للطرف المغربي مفادها أن العلاقات الثنائية لا تحتمل المزيد من التأزيم.
وجنّبت مشاركة أويحيى في هذه القمة العلاقات المأزومة بين الجزائر والرباط، أزمة أخرى كان يمكن أن تنفجر من جديد، وقد جاءت مصافحة أويحيى للعاهل المغربي، محمد السادس، لتفكك ولو مؤقتا القنابل المزروعة على طريق العلاقات الثنائية.
وسبق موعد "قمة أبيجان" سجال كبير بين المغرب ومعها الحكومة الإيفوارية وفرنسا من خلف الستار، من جهة، والاتحاد الإفريقي ومعه الجزائر ومن خلفهما الحكومة الصحراوية من جهة أخرى، بسبب مساعي المخزن إلى إقصاء الصحراء الغربية من المشاركة في القمة، وهو ما جعل هذا الموعد مرشحا للانزلاق نحو أزمة قد تتعدى تداعياتها القارة السمراء، لأن أوروبا طرف فيه.
فشل المغرب في إقصاء البوليزاريو من المشاركة في القمة، دفع البعض إلى التوجس من احتمال أن يبادر (نظام المخزن) لاختلاق أزمة جديدة قد تعكر صفو هذا الموعد، لا سيما أنه متعود على اختلاق التوترات من لا شيء (حادثة الكاريبي في ماي المنصرم)، وعدم مصافحة إسماعيل شرقي محافظ الأمن والسلم في الاتحاد الإفريقي، للعاهل المغربي في قمة أديس أبابا في نهاية جانفي 2017، وبعدها تصريحات مساهل بشأن قضية "الحشيش"، ولذلك جاء إيفاد أويحيى، المعروف بهدوئه، تفاديا لأي تطور غير مأمول.
وبغض النظر عن القراءات والتأويلات التي أعطيت لمصافحة أويحيى للملك محمد السادس، فهي برأي مراقبين، رسالة تتعدى المخزن إلى حلفائه في إفريقيا القارة العجوز وفي مقدمتهم فرنسا، التي لم تتوان في دعم أطروحات المخزن التوسعية الموروثة عن الممارسات الاستعمارية القبيحة.
الرسالة الثانية التي أرادت الجزائر إيصالها خلال هذه القمة، تتمثل في المساعدات المالية التي قدمتها الجزائر لدول الساحل في إطار محاربتها للإرهاب والمقدرة بـ 100 مليون دولار لكل من تشاد والنيجر ومالي وموريتانيا، والتي تفوق كل ما قدمته الدول الأوروبية الـ28 مجتمعة (50 مليون دولار فقط)، على مدار الأعوام الثمانية الأخيرة، علما أن ذلك المبلغ لم يتم التأكد مما إذا كان قد صرف أم لا، كما قال أويحيى.
ومعلوم أن أطرافا أوروبية وفرنسا على رأسها، كانت قد عملت المستحيل من أجل توريط الجزائر في منطقة الساحل، من خلال جرها للتدخل عسكريا في هذه المنطقة بداعي محاربة الإرهاب، بعدما غرق التدخل الفرنسي في مستنقع الساحل، غير أن كل تلك المحاولات فشلت، ولذلك يعتبر تصريح أويحيى بهذا الخصوص، رسالة أيضا لمن يهمه الأمر مفادها أن بلاده تدرك جيدا كيف تساعد دول الساحل في محاربة الظاهرة الإرهابية، بعيدا عن المواصفات المسمومة التي تأتي من هنا وهناك.
وإن كان تصريح أويحيى بشأن دعم الجزائر لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل، يعني فرنسا بالدرجة الأولى، فهو يعني أيضا المغرب الذي لطالما حاول إقحام دبلوماسيته في منطقة الساحل منافسا للدور الجزائري، وهو الذي لا تربطه بها أي روابط إقليمية، لأن الجزائر التي جمعت أركان جيوش المنطقة في تمنراست على مدار أزيد من عشر سنوات، وقدمت مساعدات مالية وعينية وتقنية (تدريب وتكوين مختصين في محاربة الإرهاب)، لا يمكن أن يزاحمها من لم يتعد دوره الدعاية الدبلوماسية والإعلامية فحسب.

إرسال تعليق